سلة المشتريات
أكثر من صوت لحنجرة واحدة
€7.00
غير متوفر في المخزون
الوصف
تنحو قصيدة الشاعر العراقي عدنان محسن في اتجاه المزيد من البساطة في التعبير والدلالة، فتبدو المفردةُ المركّبة وكأنها أشبه بضربة فرشاةٍ على قماشة، ضربة واحدة لا أكثر ولا أقلّ، من حيث اختزالها المشهد المُلتقط. عدا عن ذلك، يمكننا اعتبار قصيدته، برغم إقامته منذ عقود في المنفى، سليلة “الوجع/ النص” الممتد منذ ملحمة جلجامش وصولًا إلى الشعر العراقي في يومنا هذا. في مجموعته الجديدة، “أكثر من صوت لحنجرة واحدة”، الصادرة عن منشورات الجمل (بيروت- 2016)، يسعى الشاعر إلى توثيق الحياة عن طريق اختزالها صوتًا، أكثر من صوتٍ، لحنجرةٍ واحدةٍ فقط.. مُفردة تحاول إيقاظَ الروح بالكلمةِ التي هي الصوت، والعكس أيضًا يجوز في هذا السياق، بحيث يُحيلنا عنوان المجموعة إلى ما تصبو إليه القصائد، إذ ثمّة تداخل لأصوات متعددة ومتآلفة في آن معًا، مموسقة بشكل هارمونيّ مُحكم. في قصيدة بعنوان “الشعر”، يكتب محسن ليختزل الحياة، حيثُ يقول: “أكتبُ لسببٍ بسيطٍ/ كي يعرف الأصدقاء/ إنني ما زلت على قيد الحياة/ ولي أوهام/ ما زالت هي الأخرى على قيدي./ وكل ما أريده في حياتي/ أن أكتب سطرين أو أكثر/ أضعهما فوق قبري/ وعندما يأتي القادمون إلى المقبرة/ ويرون الشاهدة/ سيقول من لا يعرفني:/ هنا يرقد شاعر”. البساطة في التعبير إلى جانب السرديّة الهادئة والخفيفة، كما في النموذج السابق – على سبيل المثال لا الحصر- منحا قصيدة محسن المرونة والسلاسة المُطلقة وتجاوز مقولات التأويل في النصوص، حيثُ النصّ يدلّ على ما يكتبه من حالات، حالات صريحة وشفّافة جليَّة، عدا عن أنها تكتفي بالقول العادي والمشحون بالمفارقة، وهنا مكمن السرّ الذي لا بدّ وأن يكون جاذبًا للقارئ، أن يقرأ شيئًا بسيطًا إلّا أنّه مكتنزٌ بالأسرار الجوّانيَّة، إضافة إلى منح شيء من التوتّر إلى النهايات الأخيرة التي تأتي بغتةً دونما تمهيد، وكأنّ الشاعر يقول: أريدُ أن أصمت، كفى! عبر اعتماد النبرة التصاعدية وتوظيفه لعلامات الترقيم في ذلك. قصيدته التي بعنوان “اختزال” تأتي في ذات الاتجاه الذي أشرنا إليه سابقًا، وفيها يقول: “كلّ ما سعيتُ له في حياتي/ هو أن أختزل أوجاعًا كثيرة/ ببضعة أسطر/ ولنقل/ بعدد أصابع اليد الواحدة/ ثمّ/ كبر الوجع/ فاستأجرت أصابع اليد الثانية/ ثمّ أصابع الرجلين/ ثمّ أصابع أفراد العائلة/ وها أنا أنظر إلى أصابعكم/ بلهفة الذئب أمام الفريسة”. هذه النهايات المباغتة بالنسبة للقارئ تمنحُ النحت اللغويّ المستعمل ضمن القصيدة بعدًا آخر مغايرًا تمامًا لما اعتدنا عليه من نهاياتٍ سعيدة أو حزينة، هنا في هذه النصوص ثمّة توقّف مفاجئ ولا يهمّ إن كانت النهاية معيّنة أو محدّدة، ثمّة وهمٌ يباغت، لكن دونما إزعاج كغيمةٍ تُمطِر بهدوء. بورتريه شعري في قصيدة بعنوان “محمد الماغوط” ثمّة بورتريه أو حوار شِعري، يقول النصّ: “كنت تريد/ أن نتبادل الأوطان/ مثلما نتبادل الراقصات في الملهى/ ولكن/ الراقصات ذهبن مع الريح/ وبقينا نضرب كفًا بكفٍّ/ لا نعرف ماذا نفعل/ بهذا العدد الباهظ/ من الأوطان”. هذه الحوارات دائمًا ما تعيد إلى الأذهان شعراءَ غابوا جسدًا إلّا أنّ الروح حاضرة عبر الكلمة، ثمّة استحضارٌ ما خفيف، يدلّ على تشارك المصائرِ الشعريَّة، تلك المصائر التي تمنحَ السكينةَ في أحلك الأوقات حتّى وإن كانت مصائرَ سوداء. استراتيجيّة العنونة من جهة أخرى، فيما يخصّ العنونة، نجد ثمّة نحتاً لغويّاً متقَناً، فعنوان المجموعة الرئيسي مُغاير تمامًا لعناوين القصائد، التي تطغى عليها المفردة الواحدة والتي تأخذ من النص أكثر مما تضيف إليه، ولعلّه من الممكن قراءة أي نص بعد حذف العنوان، دون أن يتغيّر أو يتأثر النص بذلك. في قصيدة بعنوان “فرق” يقول الشاعر: “الفرق بيننا وبين البعض/ إنّهم يبحثون على الدوام/ في كلّ مكان/ وفي أيّ مناسبة/ عن آباء روحيين/ ونحن/ نبحث عن أصدقاء/ يتسكعون في أرواحنا/ في أوقات فراغهم”. مجموعة “أكثر من صوت لحنجرة واحدة”، عبارة عن تجريب مختلف ضمن القصيدة الواحدة نفسها، أصوات متعدّدة ضمن النصّ الواحد، لتُحيلنا إحدى قصائد المجموعة إلى رامبو عندما قال ذات مرّة: “لم أكن أنا الذي يكتب بل كان يُملى عليّ”، ويقول شاعرنا بدوره: “أنا لا أكتب القصيدة/ هي من تفعل ذلك/ تكتب نفسها/ وتكتبني”.
معلومات إضافية
المؤلف | |
---|---|
الناشر | |
سنة النشر | |
عدد الصفحات | 152 |
الرقم الدولي (ISBN13) | 978-9933-352-33-2 |