الوصف
سرعان ما آلت أمومة البيت إلى البنت الكبيرة زينب، بعد وفاة أمها، فهي قد دأبت على تمثّل هذا الدور وإشغال الفراغ الهائل الذي خلفه غياب الأم، بمنتهى العناية والغيرية والحنان، حتى استهلكت مظاهر الأمومة الطارئة أنوثة الفتاة العانس، وحولتها إلى جسد بلا غواية ولا شهوة، كما بات يحسّ بها الجميع، ولكنّ هذا التحوّل الذي وسم شخصيتها بخسارة ما، لم يكن ليمرّ من دون أن يكتسب طباعًا، تليق بالدور الجديد أو هي إحدى ضرورات النجاح فيه، فالحضور القوي في تفاصيل البيت والأخوة جعلها المرجع الأعلى ولربما الوحيد، حتى إنّ حضورها بات يفوق المرجعية التي مثلتها أمهم الغائبة، إلى درجة أنّ أخاها الشاب كريم، بات على يقين أنّ زينب الأم البديلة “قادرة على احتضان انشغالاته بروح الأم” الكاملة، من دون حاجة إلى أي ادعاء ولا تمثيل، ونظرًا إلى مدى نجاحها في إخراج فكرة الزواج من مجال ومدى تفكيرها، واستبدال الزوج بهموم البيت، التي ملأت وقت فراغها، شعرت بمتعة الحركة الدائمة وبمدى الاهتمام والرعاية للدار كلها.
لقد أكسبها هذا الشعور بجسامة المسؤولية شيئًا من الصرامة، وهو ما أدركه وأحس به والدها عبود الحلاق، فصار يهدّئ زبائنه الصغار باسمها، وغدا ترديده لعبارته الحاسمة القاطعة “اجت زينب” كافيًا ليصمتوا مذعورين، مأخوذين بميتافيزيقيا هذا اللغز الخفي، وهي كانت قد أعلنت، بعد إدراكها بالتجربة الحية، بما لنبرة صوتها القاسية من قوة الإيهام وبعث الخوف، “أنها مستعدة لإعارته صوتها، من أجل تثبيت أولئك المشاغبين الجبناء من الأولاد”.
يبدو أن الكاتب، قد نحت بعناية صورة لامرأة متفردة أصيلة، أخذت تصعّد غرائزها وتنحيها، تحت تأثير غريزة الأمومة، التي تملّكتها ووفرت لها شعورًا متوازنًا وسلوكًا تعويضيًا، غطّى بفيضه وتدفق عاطفته غرائز أصيلة أخرى لفتاة ناضجة، يضجّ جسدها بالجنس والطاقة والحيوية، وعلى الرغم من كون هذه الحالة الإنسانية المتفردة، لكائن افتراضي، ليست نموذجًا قابلًا للتعميم، ولم يقصد كاتبها ذلك، فإنها، عبر أبعادها الواقعية، فتحت بعدًا إشاريًا لمدى تأثير الشعور بالمسؤولية في سلوك الفرد، ولا سيما إذا أسندت إليه بالمصادفة وبحكم الضرورة.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.